هو لم يعد قادراً علي السير ,ليس لان الإرهاق اسقطه بل لأنه يحتاج أن يتوقف
قليلاً كي يسمح لشئ أكثر قسوة من الإرهاق الجسدي أن يتملكه ويأخذ بأطرافه
المستسلمة لعالم يتصنعه الفتي كي يعيش فيه لحظات تمنحه الهدوء للتفكير المنظم .
دوماً كان الإرهاق ترياقه الفعال للنوم العميق ,كان كلما أراد النوم يخرج
ليجري علي الطريق بضع ساعات حتي تتهالك عضلاته ويسقط علي فراشه كالموتي فيغط في
نومٍٍ عميق دون وقفات تجبره علي ان يتهاون ليبقي مستيقظاً .
هو لا يدري لما كره فراشه دوماً؟ ,لماذا كان يكره تلك اللحظات التي كان
يجبر علي قضائها مستيقظاً عليه؟ .
ربما لأنه كان فارغاً دوماً ,ربما لبرودة أركانه ,ربما لان تلك اللحظات
كانت دوماً صامتة ,هادئة تمنحه الصفاء للتفكير العميق .
كم يكره التفكير ,كم يمقت تضارب الافكار في رأسه ليس لأنه مراهق يتسم دوماً
بتناقض الأفكار بل لأن فكره دائماً كان يستبق سنه .
أفكار حزينة تخيم علي لحظات صمته ,وأخري فاجرة كان يخشاها ويتجنبها ويجتهد
في عدم إظهارها .
أما الأن فجلوسه علي الرمال يتآمل ذلك البحر الرمادي الكئيب تثير في جسده رعشة
غريبة ,ليست رعشة البرد الذي يجلد بسقيعه جسده العاري ,بل إنها رجفة الذكري ,ذكري
حياته القاتمة التي عاشها أينما كان ,وكآبة ما يحيا فيه الأن .
رقد علي الرمال وألقي بذراعيه بجواره وصرخ في السماء الحزينة فوقه صرخة لم
يسمع لها صدي ولا أنين ,راح يصرخ ويصرخ وتتصارع ملامح وجهه ولكن صمت المكان ما زال
يملك كل أرجائه ,لم يعد يسمع سوي صوت واحد يدوي في كل مكان ,فقط صوت الافكار التي
عادت تتطاحن في داخله هو ما يشعر به .
كفاه تداعبان الرمال علي جانبيه وهو ضائع في بحر من التشتت وتصارع
الفكريات.
يشعر بنعومة الرمال تحتضنه ,وتنساب بين ثناياه ,إنها تمنحه ذلك الإحساس.......ماهو
هذا الإحساس ...........؟؟؟...... هو لا يدرك ,لا يذكر هذا الشعور ,إنه جميل ,هو
خليط من السكينة وأشياء أخري دافئة .
ما زال جسده يتحرك بخفة وهو علي الرمال كي يغوص أكثر وأكثر فيها لتتملك من
جسده اجزاء أكبر ,بلي بدأ يتضح هذا الشعور ,إنه حنان ودفء ونشوة ,لقد تذكر أين أحس
هكذا من قبل ,............... بلي هو لم يحس هكذا أبداً .
لم يشعر بحضن دافئ أو أمان ضلوع صدر حنون ,حتي حين كان بين يدي ذلك الذئب
,حتي حين غاص في أحضانه الدافئة ,أفتقد الامان .
وفجأة شعر بشئ صلب من تحته شئ قوي وصلد ,قام مسرعاً يبعد الرمال عما يتواري
هناك........................................... إنها صخرة سوداء لامعة ,تبدو
كالأحجار الكريمة التي يحبها .
الصخرة مبللة ولزجة ,إنها ضخمة وواسعة تشمل ركناً كبيراً هناك ,أزال من
الرمال عنها الكثير ولكن يبدو انها أضخم من ذلك .............وقف عليها يتطلع
جنباتها ,هناك شئ يلمع بلون فضي رائع في أحد جنباتها يبعث لنفسه سرورها المفقود
.رفع قدمه اليسري يقترب من ذاك الشئ فإذ به ينزلق علي الصخرة ,صرخ ولكن الصمت يحول
دون صراخه ,حركاته الفطرية دفعت بذراعيه في الهواء كأنه يتشبث بشئ خفي لا نراه
,وقدمه اليسري أرتفعت عالياً لتصل لقمة ذلك الخفاء الذي تنشده يداه ,وفجأة أرتطم
رأسه بالصخرة الصلبة فلم يكن سوي ظلام دامس أطاح بوعيه بعيداً ,ولكن بسمة رقيقة
مترددة زارت شفتاه وهو يغمض عيناه الخافتاتان ,بسمة بسيطة ملائكية كتلك التي كانت
تزوره حين تغمره سعادة لحظاه .
بسمات تتفاوت في رقوده الصامت كانها تزوره وتغرب ثم تعود تشرق لتغرب
مراراًوتكراراً .
بسمات هاربات يقتنصن الفاه المسكين كمشتاق لأحبته يقتنص منهم القبلات .
صمت روحي وجسدي يتبعثر بين ثنايا الجسد العاري,الراقد فكأنه ميتٌ قديم
الموت اكل عليه الزمن وشرب ,ليس لأن ضلوعه تبرز من صدره ,ليس لأن عظام وجنتاه كأنهما
هرمان عظيمان علي خديه .
ليس لأن عيناه غائرتان تكسوهما أساود الحياة .
بل لأن الرقود المطبق وهيئة الوجه السمج توحي بقدم الموت ...........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق