الجمعة، 6 يناير 2012

ما بين الآه واللذة " الحلقة الرابعة "


هكذا أردفت الافكار تهاجم علي غُراتٍ كيان الفتي المسكين ،ولكن فجأة لم تعد افكاره تدور في رأسه كما كانت ، لم تعد تضرب جنباته بقوتها كما كانت .
ليس لأنه أيقن شئ ليس لأنها استسلمت لنطاقِ معين .
بل لأنها أهلكته ، ولم يعد باقياً فيه شيئاً يضرب .
فهذه الجنبات لم تعد قصور كما كانت ، بل توالت عليها أفكاره تضربها مردفتاً حتي أمست ركام لا تدرك له ملامح .
ولا زال هو يضرب قدميه في الرمال فتغوص ثم يعود يرفعها ليضربها فتغوص ، مرةً بعد مرةً بعد مرةً حتي نسي كل شئ من حوله وتوقفت عينيه عن ذرف الدموع ليس لأنه أجاز للسعادة مكان ، وليس لأنه أطلق سراح الحزن من خلف قضبان فؤاده .
بل لأن أدمعه ضنبت ودماءه جفت فصار حزنه فقيراً معدماً لا يجد ما يخفف به عن نفسه فصار أكثر إشتعالاً وإشتعالا حتي ضربت نيرانه فؤادالفتي  تبحث عن شئ تحرقه فوجدت كل شئ حولها رماد غير قابل للأشتعال .
لم يبقي سوي الشعور بالضياع والانهيار ، ذلك الشعور الذي مهما تكالبت عليه نيران اخيه الحزن المطبق فهي لا تسقطه بل كأنه يمتصها ويزداد بها إشتعالا .
ولكنه ووسط كل ما يعانيه  يذكر حلمه البسيط الذي لطالما رادوه في صحوه ومنامه ، خاصة حينما كان يقرأ رواية رومانسية بسيطة ،إنه ذلك الحلم بفراشٍ أبيض دافء ،وذلك الرجل الذي يرتدي قميصاً أبيض بصدرٍ عارىٍ فسيح .
شعره الاسود المنسدل علي عينيه وكفه القوي العريض يرفع خصلاته عن عينيه السوداوتان وبسمة رقيقة تنفرج عنها شفتيه الرقيقتان ، وهو جالس علي فخذيه متكأً علي صدره وذراعا الرجل حوله ،يقبض هو علي كفيه ويتحسسهما كأنه يخشي هروبه .
وهنالك حديث لطيف دافء يدور بينهما ،تتغمده أحياناً بسمات رقيقات تنير الوجهان وأحياناً ضحكات رنانات تثير المرح علي الأجواء .
وما تزالا ذراع الرجل تحتضنان الفتي وقد أسند ذقنه علي رأسه وأهتزت رأس الرجل في هدوء يمنةً ويسارا .... والفتي يهز جسده علي هزاتٍ تثير في نفسه الرضى والشعور بالأحتواء .... ولكنه يشعر بشئ دافء ينساب علي قدميه ، شئ من شدة روعة الشعور العميق بالدفء الذي يمنحه للفتي أنقطع له أكثر احلام الفتي دفئاً .
نظر لقدميه ليري جروح عديدة علي قدميه في أوسطها قطع زجاج تنساب حولها الدماء .
جلس متألماً يخرج شظايا الزجاج الموجع من بين الجروح .
واحدة تتلو الأخري تخرج من بين جروحه العميقه وكلما أنسلت شظية أهتزت لوجعها ركائزه فأغمض عينيه يتلذذ بهذا الوجع ..... لطالما كان ماسوشياً لطالما أحب الألم .... هو يذكر كيف كان كلما أصيب بجرح مهما كان بسيطاً يبدع في فنون إستخلاص الالم منه .
لطالما احس ان الألم يمنحه نشوة مخدرة ، نشوة تحرك شئ عميق في داخله ..... شىءٌ أقدر من ذلك الألم علي إيجاع النفس ولكنه لا يستلذ الألم في تلك اللحظة من ذاك المنطلق .... بل وفقط لأنالآلم  شعور وأحساس كما يمنح الوجع  يمنح الدفء ، له تأثير تهتز له الركائز فتذكره أنه لا يزال كائناً .... لا يزال موجوداً ولا تزال روحه التي تتوجع تسكن سراديب هذا الكيان الذي يئول للسقوط.
هنا الالم يعطيه ما أفتقده ، يمنحه الحياة ويوقظ في داخله مشاعره ويطفىء شئ من الحزن يحرق كل ما في داخله .
ذلك الحزن الذي نضبت له الدموع ولم تطفئه .
 هكذا استثارت الفكريات في خلده وهو يمزق ثوبه الرمادي ويستمني من صوت تمزقه نسمات من السعادة كان قد نسي ملامحها ..... نسمات لا يدرك لما تراوده من صوت تمزق ثوبه ... ولكنه أعتاد نفسه شاذاً لا يدرك لما يراوده تفسيرات ....
شرع يغطي جروحه بأشلاء ثوبه وقام يكمل مسيره ولا شئ علي جسده سوى شلوة تبقت من ثوبه تغطي عورته ، حالما شرعت قدماه تتحدي الرمال من جديد حتي جاءت الرياح وحملت شلوته تلك بعيداً ليبقي عارياً تماماً كفريسة هالكة أمام النسيم البارد .
تتابعت خطواته ولا شئ يتغير سوي شعوره بأنه عاري ، حر ، تضربه النسمات من كل زاوية فلا يقشعر لها بدنه بل يشعر كما لو أنها أيدي تتحسس جسده العاري ، فتناثر شعوره بالوحدة ليتخيل النسمات أيدي رجال متلهفون عليه يؤنسون وحدته في ذاك الشاطئ الموحش .
هو يذكر أنه كان دائماً يحب لفت الأنظار لطالما أرتدي ملابسه وصفف شعره ووقف أمام المرأة ساعات ليكون قادراً علي لفت ما يمكنه من الأنظار ... وما أسعده كلما رأي العيون تتربصه بإعجاب وحتي تلك الكليمات الغزليات كانت تطربه ، ولكم تزايدت سعادته كلما كانت من أفواه رجالِ وسماء .
لكنه كان بارع في لعب دور الخجول ، والمهذب ، واللطيف والبرئ إلا أنه وبينما سار بعورته المكشوفة أدرك أنه لطالما كان فاجراً منحلاً ، لطالما كان حلم الماركيز دو ساد للجنس البشري ، الأن عينيه الخضراوتان تبرقان فجراً وإنحلالاً ، ولكن بكل جرأة وشجاعة ليس كما في الماضي حيث كان يخفيها ويقتلها .
اليوم أدرك أن كل ما كان يخشاه هباءاً ، وأن الحزن الذي أقتنصه كان سراباً ، فكأن السعادة تضرب جذورها في قلبه وتجتث الحزن بقوة .
أما الجناحان الباليان علي كتفيه تساقطا وخلفهما دون أن ينظر إليهما وغادر .
وعاد يسير سيرته الأولي ... سيرة الطاووس الذي تهتز كل أطرافه في سيرته كما لوك ان يسير علي نغمة واحدة فقط _ نغمة لطالما عشقها وتمني لو أن كل موسيقي الكون تتلخص فيها _ نغمة التت .... تلك البسيطة الجميلة التي لطالما أعطته القوة ليسير تلك السيرة التي خفاها طويلاً خشية الناس والقول واللوم .
ولكن لا يدو أن أي شئ هنا له أن يجبره علي أن يكون عكس ما هو حقاً كائن .
اليوم فقط هيكل الفتي فلسفته في الحياة وأكمل صرح المبادئ ، فلم يعد يخشي العيب والخطأ والمجتمع وأشياء أخر أصبحت في وحشة شاطئه الكئيب هباءاً منبثاً ..........

هناك تعليق واحد:

  1. ولكنه ووسط كل ما يعانيه يذكر حلمه البسيط الذي لطالما رادوه في صحوه ومنامه ، خاصة حينما كان يقرأ رواية رومانسية بسيطة ،إنه ذلك الحلم بفراشٍ أبيض دافء ،وذلك الرجل الذي يرتدي قميصاً أبيض بصدرٍ عارىٍ فسيح .
    شعره الاسود المنسدل علي عينيه وكفه القوي العريض يرفع خصلاته عن عينيه السوداوتان وبسمة رقيقة تنفرج عنها شفتيه الرقيقتان ، وهو جالس علي فخذيه متكأً علي صدره وذراعا الرجل حوله ،يقبض هو علي كفيه ويتحسسهما كأنه يخشي هروبه .
    اجمل ما في التدوينة المؤلمة
    الحلم هيفضل عايش جونا مهما عنينا
    ايه قيمة الحياة من غير الاحلام والامل

    ردحذف