الأربعاء، 4 يناير 2012

ما بين الآه واللذة (الحلقة الثانية)


هو لايتذكر من ضوء النهار سوي تلك الومضات التي تمر علي خاطره بسرعة ,وكأنها فراشات صغيرات تحلق بين زهور الربيع إلا أنها لا تثبت علي أي الزهرات .
ومضات من ذكري لها عبق مخيف نفاذ ,وغريب.
هكذا مرت عليه الأيام جالسا علي فراشه في ظلمة غرفته يترقب ذلك البصيص متناهي الصغر الذي ينساب من فتحة مفاتيح باب غرفته فلا تظهر لضوءه ملامح, بعض هذه الومضات كانت تهز ذلك المسكين كما لو أنها نكزات تضربه وتترك خلفها آلام وجروح.
وترقرقت الدموع بين جفنيه تلمع علي ضوء مقلتيه الخافت الحزين ,الذي يشع من تلك الذكري حيث حضنته تلك القبلة وأحس فيها بدفء غريب ,دفئ لم يخالجه أبدا.
ولم يملك من أمره سوي الاستسلام لتلك اللذة ,وكأن شفتي حازم من ذلك النبيذ العتيق الذي لطالما سمع نزار يحكي عنه ,وعن الرهبان يشربونه من لذة الحب ,يكاد إحساسه بالدفء ,والامان ,والحب ,وذاك الحنان الذي لطالما أفتقده وأحس أنه ضرب من ضروب الخيال أن يفصل روحه عن جسده تماما.
ولكن ما فاق سكره جراء ذاك الخمر اللذيذ ,كان يدي حازم التي أحاطت به في رقة وضمته لذاك الصدر الفسيح, حينها أحس بأن خمور الشفاة,وحنان الشعور يتبخران ويلجم جسده ذاك الشعور بالنشوة وإنفجارات من اللذة والفجور.
حينها فقد الاداب ,والذوق ,والرقي ,وكل ما هو كلاسيكي ,وتبخر معهم كل ما كان عقلاني ومحسوب ,ومدروك ,ومراقب ,وأنطلقت في جسده ثورة من الجنون والمجون والفجور فطوق حازم بذراعيين جريئتين ترتعشين وقبض علي شفتيه بشفتين من لهب .
وأنطلقت الموسيقي تعزف في الجسدين ,معزوفة صاخبة من الانين والتأوهات تنساب من الاثنين .
ومضت ثلاث ساعات علي ذلك الفراش الابيض شهد فيها الفراش مبادئ المراهق المتفلسف تنهار ,وكلاسكيته تتبعثر ,حتي انه كان شاهدا علي إيمانه وعقيدته تنحرف, ولكم كان حزينا الفراش ,ولكم تنهدت من آلمها الجدران وأنسابت الامطار حين أسدلت ضوء القمر بالاستار فكأن السماء حزينة والنجوم تبكي ,وتنهار ,وتخشي الإطلاع علي اجنحة الملاك تذبل في راحتيه وتحترق ثم تذروها الرياح التي تحمل معها عذريته المنتوجعة وتحلق في البعيد وتنظر إليه وإلي جسده المتعرق العاري علي الفراش الابيض المكتئب وترسل إليه همسات من أراجيز الشعر الحزين ,لكن كيف يدركها وهو لا يسمع سوي تنهدات ذلك الذئب المتجسد في هيئة ذلك الرجل الراقد بجسده العاري إلي جواره .
مابالك أيها الفتي أين رقة الاحساس .....,وسمو الشعور ؟....... لقد كنت تري الملائكة خلف أستار نافذتك الزرقاء كل ليلة وكنت تسمعها تغني عند الفجر ............, تغني لشمس النهار .
ما بالك أين أنت؟.......  الا تبصر جناحيك يحترقان ,وعذريتك تحلق مع رياح الضياع؟ .
أرجوك أستفيق مالك لا تنظر للنافذة تطرق حبات المطر زجاجها ..... ألا تسمع نداءها ونحيبها ؟.
كلا هو لا يسمع ولا يري فقد صار اصم وضرير.
ينظر لعيني حازم ويبتسم ثم يضع يده علي صدره ويضمه إليه ويقطف من فمه قبلة قبل أن يضع رأسه علي كتفه ويغمض عينيه ويغرق في بحر الامان والحنان .
بلي كاد يغرق في ذلك البحر الدافئ الحنون ,هو يتذكر كيف كانت روحه تغوص ,وتغوص وكم كان رائعا هروب وتسلل العواطف من جسد حازم وإنغماسها في جسده .
هنا أحس بالواقع يعود ليضرب قدميه بأرض الخيال التي أصطنعها الفتي المسكين ,وفجأة أحس بصوت خافت يهمس إليه ,باأ ينظر حوله وينصت بتركيز لكنه لا يفهم ما يتمتم به ذلك الصوت الحزين.
إنه هادئ وخافت وكئيب لدرجة لا يتحملها ذلك الفتي العاري علي الفراش الابيض.
نزع أطرافه من جسد حازم وأرتدي سرواله الداخلي ,وهام في الغرفة كأنه يبحث عن الصوت لكنه وحالما أنفصل بجسده عن جسد حازم النائم علي تلك الشراشف البيضاء ,سمع حبا ت المطر تطرق الزجاج ,وشعر بمدي حزنها وأحس آلامها ,وأتضح له الصوت رويدا رويدا إنه يغني أرجوزة شعر فرنسي قديم ,إنه يجيد الفرنسية ويدرك ما تعنيه تلك الكلمات لكنه لا يدرك للأرجوزة ككل أي معني ......لماذا ؟ .... ما الذي يحدث ؟.
إنه يدور حول نفسه يغمغم بأسألته وينهر الجدران وتتصارع الاستفهامات في رأسه كجيوش هائجة .
وفجأة نظر للقمر خلف زجاج النافذة فلم يره كانه مختبأ خلف ستار من سحب تذرف باكيتا حبات المطر .
إنه ينادي القمر يصرخ له يطلب منه الظهور .
اين انت صديقي ؟.....أين ضوءك يرشدني ؟........كلماتك تحررني ؟....... وصمتك يلهمني؟.
القمر حزين لا يجرأ علي النظر,هو خجول أو أنه طاهر لا ينظر إلي من فقدو طهارتهم.
حين تزاحمت تلك الأفكار في رأس الفتي سقط  علي ركبتيه وقد نال شر ضربات الزمن ,وفجأة تسلل ضوء خافت من بين شقوق الغيم وتسللت معه سنايا من ضوء القمر وتسلطت علي جسد حازم العاري هناك .
نظر الفتي لذاك الجسيدعلي ضوء القمر فبدا له كما هو لم يختلف ,ولكن كيف؟.
ضوء القمر دوما يظهر له الحقائق ويكشف له زيف الاشياء, من هو حازم الذي لا يخترق جلده ضوء القمر؟.
حالما تقلب حازم علي فراشه وأدار وجهه ناحية الفتي أدرك الفتي كل إجابات أسئلته .
رأي وجه حازم دون القناع الذي يرتديه .
إنه ليس ببشر ,فلا بشر له تلك الأسنان الناتئة ولا ذاك الفم البارز ,, تلك العينين السوداوين الواسعتين والاذنين الطويلتين الحادتين , بلي لقد أتضحت الرؤية , إنها ملامح ذئب بجسد بشر وروح شيطان وعقل فيلسوف.
أفزع الفتي ما رأي فتقهقر خطوات للخلف ,وحينما حاول النهوض تراخي , وتثاقل عليه جسده ولم يستطع تحريك أطرافه .
لم يعد يشعر بجناحيه بالخلف لقد تلاشوا .
حينها استستلم الفتي وانهارت روحه .
أستطاع النهوض واتجه بخطوات متثاقلات نحو النافذة وفتحها وخرج إليها وبسط يديه لحبات المطر ,وأحس بها تحاول أن تغسله ,أن تطهره ,وكيف تتساقط من علي جسده متسخة وسوداء اللون دون أن تزيل عنه ما غطاه من أوساخ الذئب الراقد هناك ......لكنه وبشكل غريب ينعم بتلك اللحظات تحت المطر حتي انه لا يشعر بالبرد القارص يدمي جسده.
فماهي سوي لحظات حتي شعر بالفجر يشرق ,والسحب تنقشع ,وتعود السماء لزرقتها الجميلة ,والشمس بدفئها المعتاد .
نظر للشمس وأدرك ان الطبيعة تعاتبه ,ولكنها تفتح له ذراعيها في رقة وتطلب منه ان يحتضنها .
هو لا يستطيع رفض طلبها ,فهو لم يشعر بدفء الفجر كالمعتاد ولم يسمع غناء الملائكة علي شاطئ البحر كما كان يسمعها دوما عند الفجر .
لقد أحس بأنه شاذ عن طبيعته الأم وأنه أنفصل عنها .
فتقدم بخطوات واثقات نحو سور الشرفة العريض ووقف عليه .
حالما نظر للاسفل أدرك أن الاربعة ألاف متر تلك التي تفصله عن سطح الأرض ستكون أقرب بوابة لأحضان الطبيعة .
وأحس بنسمات رقيقات يداعبن وجهه فأنهمر الدمع من عينيه ,وصحبت النسمات دمعاته معها وشعر بأنه مستعد أن يتصالح مع طبيعته الام مرة اخري.
وحالما هم بالقفز سمع حازم يصرخ من خلف : آيها المجنون ماذا تفعل ؟.
فتبسم الفتي وقال في هدوء : لو ان لي جناحان سانجو .
وتراخت قدميه وقفز .
لحظات في الهواء ,أحس فيها بجمال النسيم يداعب جسده ويعيد إليه رقته ,وذوقه ,وأدابه ,وكلاسكيته ,وعذريته ,وكل كل ما فقد........... لكنها نسيت أن تعيد له جناحيه ............

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق