الخميس، 5 يناير 2012

ما بين الآه واللذة (الحلقة الثالثة)


هناك نسيم مخملي الملمس يداعب وجهه في رقة وإستكانة ,إنه يشعر بنعومة الرمال تحته تبعث إلي ثناياه هدوء ,وإسترخاء رخيم .

إن النسمات يآتين كفراشات هاربات يداعبن وجهه في خفة ,ورشاقة ,ويهربن متضاحكات .

وهناك خمول ثقيل يسيطر عليه ,علي فكره ,وعلي نشاطه ,وكل جنباته .

يحاول أن يرفع جفناه إلا أنهما ثقيلتان .

يحاول أن يحرك ذراعيه ليتحسس ما حوله ولكنهما أثقل ما يكون.

وفجأة غمره موج عنيف غطي كل جسده .......أنغمر جسده بالكامل في الماء ............أنسحب الموج من علي جسده وكأن الخمول أنسحب معه وغادر جسده في سكينة ,وهدوء .

حالما تهادي الماء من علي رأسه ,تشهق بقوة وكأنه أستعاد روحه لأول مره .

رفع جفنيه في هدوء....... فباغته سنا من ضوء شمسٍ خافت أوجع عينيه .........أسرع يغلقهم ثم عاد يرفعهم في تباطئ  .............رفع يمناه يغطي بها عينيه الذابلتان .

قام من رقوده وحبات الرمال تتساقط من علي ثوبه الرمادي الطويل ,ثم أزاح كفه من علي عينيه فتهادي المشهد أمام العينين الذابلتان .

بحرٌ بعيد الأفق في أمده البعيد قرص شمسٍ خافت يلقي بالسنا المطفئ علي ماء بحر رمادي .

وشاطئ من الرمال السوداء البلورية ,يضربه ذاك الموج الرمادي الكئيب بعنف يثير القشعريرة في القلوب .

دار بهدوء يلقي نظراته في زوايا المكان .

ذلك اللون الرمادي الكئيب يلف كل الاركان .

يفترش الارض الرملية ,ويغطي السماء ,وينطلق من بين سنا الشمس الخافتة الحزينة المنطفئة هناك ,ويتقافز في هدوء قاتل بين موجات البحر الساكن .

سار يلقي بخطواته علي طول الشاطئ فوق تلك الرمال السوداء فأحس بنفسه يجذب شيئاً  معلقا بكتفيه ومغروزاً بالرمال .

نظر خلفه ليري جناحان أسودان ممزقان كأجنحة الخفافيش معلقان بكتفيه وغائران في الرمال.

 سار بخطوات متثاقلات يجذب تلك الأجنحة حتي خلصها من قبرها ,وأكمل مسيره وهو يجذب تلك الأجنحة الذابلة خلفه.

ومضي الوقت ولا شئ سوي البحر الكئيب ,والرمال الحزينة ,والشمس المنطفأة ,وهدوء قاتل يضرب ثكناته فيسقط في كل لحظة من بين ثناياه شيئاً كان يبقيه حياً.

طال المسير حتي نسي الوقت ولم يدرك ..... هل سار عاماً أم كانت ساعة فقط ؟.

ولكنه في داخله يشعر أنه لم يبارح مكانه بل يسير والأرض تحته تسير فهي نفس البقعة يدور حولها مراراً وتكراراً .

هناك شئ أغرب يخاجل المراهق المسكين .

لماذا لا يشعر بالغرابة ولا يتعجب ذلك المكان؟ .

كأنه مألوفاً لديه ,وكأنه عاش هنا من قبل.

هل هذه هي ما كانت عليه حياته؟ ..........هل هذه حقيقة أيامه بدون أقنعة وزخارف كاذبة منافقة كانت تطلي جدران تلك الحياة؟ .

ولكن أين الزواج الابيض؟ ,أين الحب الخالد؟ ,أين التسامح المشروط ؟ .......أين كل رواياته المخملية الناعمة ؟.... هل هو ميت؟...... إن كان كذلك فأين النعيم والظلال والأرائك؟.

هل كانت كلها وهم ؟.......... كل ما أمن به تساقط وضاع مع عذريته ........هل لهذا الحد يمكن للدنيا أن تقسو علينا حقاً؟.

وإن كان كذلك ,فأين الجحيم والويل والعذاب والنار؟...........أين السياط والعقارب والذبانية ؟.

هل كل ما كان يؤمن به صار سارب؟.

وما تلك الأجنحة السوداء الذابلة التي تثقل عاتقه ؟.

إنها تذكره كثيراً بأجنحته القديمة ناصعة البياض .

لا شئ سوي سمجتها وقبحها هو ما يذكره بجمال أجنحتة الملائكية القديمة.

خطوات تتلو خطوات ولا شئ يتغير............ هو ذاك البحر يضرب الشاطئ  ,ويلقي نسمات غامضات ,قبيحات علي تلال الرمال السوداء .

ولا شئ سوي الافكار تتطاحن داخل ذهن المراهق المسكين : هل هذا هو الجحيم؟ ,هل هذا هو النعيم؟ ,عساه سكون البرزخ .

يالله ارجوك أعطني إجابة أرجوك ,أمنحني طريق .

ثم يتراجع في خوف وخشية ويتساءل إن كان يدعو الله فهل هناك إله يسمعه؟ ,وإن كان هناك فهل ما كان يعد به صدقاً؟ ..........فأين ذاك ؟.

ثم يعود ويبكي في مرارة متسائلاً ما الذي حدث له ؟..... ...هل سمم ذلك الذئب الحقيرجسده وعقله إيمانه وعقيدته ؟........ هو لم يشك يوماً في عقيدته ,إنها صرح وقلعة شامخة في ثكناته .

ولكنها الأن جدار قديم مهدوم تضربه الرياح في كل غدوة ورواح .

جدار من طلل له ذكري ولكنه يتمايل كأنه يبغي السقوط في كل لحظة واخري .

وشك كالطواحين يضرب في فؤاده.......... فيحدث في أعمدته تصدعات تكاد تحطمه .

هو لم يعد قادراً علي الصمود........ ,فقط يريد اليقين .

هو يقسم أنه سيقبله مهما كان ,المهم ان يوقف تلك الدماء التي تذرفها عينيه ....تلك التي تحرق خديه .

أي حقيقة كافية سواء الوجود أو عدم الوجود.

لم يعد للمبدأ نفع بعد أن صار الإيمان مهب الريح لها أن تقيمه ولها أن تسقطه .

وأن تسقطه كما لو تقيمه فالكل سواء .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق