كأسٌ كريستالية مزينة بالزهور أحملها في يمناي .. يملأ نصفها سمٌ أحمر اللون يميل إلي الاصفرار ... تماماً كلون السماء فوقي وقد خضبتها حمرة الشفق فكأن الشمس التي تتواري خلف الهضاب هناك تسقط في كأسي لتمنحه لون الغروب ...
أحقاً هذا ؟
أم أنه من الطبيعي ان يكون للسم هذا اللون الذي يوحي بالنهاية وهل يا تري هذا هو لون السم حقاً ... أهكذا يوحي اللون حقاً أم أن ذاتي فقط تراه لون النهاية لأنها تنتظر منه النهاية ؟ .
لا يهم فلطالما ظننتُ أن هذه الحياة نسبية بكل ما فيها ولا شئ فيها حقيقة
لا الألوان هي الألوان ولا الروائح هي الروائح ولا الحقيقة مجردة في معناها
كل شئ يحتمل معني أخر
ففي النهاية ماهي الحياة وما نشعر بها سوي ترجمة ما تستقبله اجهزتنا العصبية من مثيرات المحيط
فهل تدرك اجهزتنا المثيرات علي حقيقتها وهل تترجمها كما تستقبلها
هل نحن علي صواب في ادراك الحياة من حولنا .
لم أعد أرهق نفسي بالتفكير ... في هذه اللحظة فقط كأس السم في يدي ومشهد الغروب في عيني ودمعة رقيقة قد انسابت علي خدي
ليست دمعة حزن ولكنها دمعة وداع
فحتي ان كرهنا الحياة وكذبنا معانيها يظل لنا فيها ما احببناه
فلقد قالت لي امي يوماً اننا كبشر نحزن لفراق ما أتلفناه وان كان شراًً
هكذا شعرتُ في هذه اللحظة بحزن لفراق الغروب كل مساء
وفراق موج البحر يداعب قدماي
ونسمة رقيقة في يوم صيفٍِ ثقيل تتخلل شعري
حتي وان كانت الحياة ضرباً من جروح وألم
تأتي لحظات النهاية فلا نري منها سوي الجمالُ فيها
ولكن بالنسبة لمن هو مثلي فكل ما تذكرته من جمال لم يطغي علي ما في داخلي من وجع
اختفت الشمس وتوارت خلفها ازيالها التي تلقيها وداعاً لهذا النصف من العالم
واصبح لون السماء اكثر ظلمة
ما يزال احمر ولكنه امسي من صفرته ياقوتياً
هكذا لابد أن تكون النهاية ... هذه هي انسب لحظة
رفعت كأس السم
في لحظة كهذه خلت ان يدي ستخونني وسأعجز عن رفعها
وخلتُ ان دموع كموج البحر ستغرق مقلتاي
وأن حزناً رخيماً سيقع علي كتفاي فيثقلني حتي اعجز عن الحراك
ولكن لم يحدث اي من هذا
وفي لحظة او اقل كانت الكأس تغرق شفتاي بالسم
طعمهُ لاذعاً يكاد يحرق لساني ولكن توارت حرقته واصبح حلواً استساغه فمي
عجبٌ لفمٍ يستسيغ قاتلهُ
السم يسري في داخلي ... له وقع بارد في امعائي
انا لا اشعر بالكون من حولي وكأن كل حواسي تركز في أثر السم علي جسدي
لم يمضي وقت طويل .... حتي شعرت بألم بسيط يدغدغ معدتي
وكأنني أفقد السيطرة علي عضلاتي
فهي تتهاوي واحدة تلو الاخري
حتي تساقطت أجزائي وسمعت كأس السم يرتطم بالارض ويتكسر
أنا مضجعٌ علي الأرض وقد أصابني شلل تام
لون السماء أصبح أسود
والسحاب الشتيت فيها كاد يختفي
وشعرتُ فجأة بنسيم باردة يتخلل اصابع قدماي ويسري منهما لكامل جسدي ... بهدوء يسري هذا النسيم فيأخذ بأجزائي
ثم حالما يتركها افقد الشعور بها تماماً وكأنها لا توجد من الأساس
لم أفهم ماهو هذا النسيم سوي حينما أخذ بصدري فشعرتُ بثقلٍ يضغط علي اضلعي
ثقل شعرتُ به مرة في حياتي فخلته احتقان في الصدر ولكن لما طال الألم ولم يجدي فيه دواء
أدركتُ أنه ألم الحب
ولكن هذه المرة كان ألم الموت
ألم لم يلبث أن أختفي مع شعوري بصدري
فلقد مات صدري
وحينها أسرع النسيم في سريانه فأخذ برقبتي
خفت في هذه اللحظة وألقيت لساني ليذكر ربي في أخر لحظات حياتي
ولكن كان النسيم اسرع من لساني فأخذ به فأماته
ولم اذكر ربي
أقدرٌ هذا ... أم ذنوب العمر ؟!!!
ولكن لما شعرت به بارداً يتسلل تحت اجفني فتحت جفناي بقدر ما استطعت وتسمرت مقلتاي في السماء ... تلقي كالشمس اخر شعاع كوداع
ولم أدري بعدها كيف كان موت عيناي
لأن ما بعد الموت كان عدم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق